أخبارتغير المناخ
الشمال يفيض بالمياه والجنوب يعاني من الجفاف في إيطاليا.. أكبر جزر البحر المتوسط وسلة خبز روما القديمة تواجه أسوأ موجة جفاف
بعض الساسة في إيطاليا يطالبون الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة بشأن حالة الطوارئ المناخية، بعدما سيطر الحفاف على مناطق متعددة من الجنوب الإيطالي.
من المتوقع أن تشهد صقلية، التي كانت في السابق سلة خبز روما القديمة، انهيار محصول القمح لديها هذا العام بنسبة تزيد عن 50%، وفقاً لجمعية الضغط الزراعية كولديريتي.
أدى الجفاف الشديد في صقلية إلى ذبول حقول الحبوب، وحرمان الماشية من المراعي، وتأجيج موجة من حرائق الغابات، مما تسبب في أضرار تقدر بالفعل بنحو 2.7 مليار يورو هذا العام.
وقال أنجيلو بونيلي، المتحدث باسم حزب أوروبا الخضراء السياسي، أثناء تجمع خارج مقر الحكومة في روما: “أزمة المناخ ليست أيديولوجية، بل هي حقيقة دراماتيكية في صقلية”، مضيفا ” يقوم المزارعون باقتلاع كروم العنب وبساتين الحمضيات، كما يقومون بذبح الحيوانات بسبب عدم وجود المياه. وهذا وضع كارثي”.
وأدان صمت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بشأن هذه القضية، وقال إن الحكومة “تترك المنطقة بأكملها على ركبتيها”.
تم استدعاء ناقلة بحرية الغربي القاحل في صقلية، حيث قامت بشحن 1200 متر مكعب من المياه.
بقي أقل من ثلاثة أسابيع من إمدادات المياه
وتواجه الجزيرة، وهي الأكبر في البحر الأبيض المتوسط، أسوأ موجة جفاف منذ عشرين عاما، ما أجبر المسؤولين المحليين على إعلان حالة الطوارئ في فبراير الماضي.
إنها ليست المنطقة الوحيدة التي تعاني من الجفاف في إيطاليا، ففي يوم الجمعة، أعلنت منطقة كالابريا الجنوبية الغربية حالة الطوارئ بسبب الجفاف في مواجهة نقص خطير في مياه الشرب .
وبحسب تقرير صادر عن مرصد الموارد المائية التابع للهيئة الوطنية للبحوث الزراعية، فإن إمدادات المياه المتاحة للزراعة في وسط وجنوب البلاد لا تكفي لأكثر من ثلاثة أسابيع. ويشير التقرير إلى أن تقنين المياه يتوسع ـ في بعض المناطق، حتى بالنسبة لمياه الشرب .
وتعد أبروتسو، وبازيليكاتا، وكامبانيا، ولاتسيو، وبوليا، وسردينيا من بين المناطق الأخرى التي تعاني من الجفاف.
ويأتي هذا على النقيض التام للوضع في شمال إيطاليا، الذي واجه عواصف وفيضانات وانهيارات أرضية في الأسابيع الأخيرة.
يقول ماسيمو جارجانو، المدير العام لـANBI: “إن الصورة الحالية لإمدادات المياه في إيطاليا هي صورة الشمال الذي يفيض بالمياه والجنوب الذي يعاني من الجفاف، حيث تتعرض الأصول الاقتصادية المهمة مثل الزراعة والسياحة للخطر”، مضيفا “يجب أن ندرك، على كل المستويات، أن المناخ قد تغير وأننا بحاجة إلى نموذج جديد للمنطقة، حيث لا يمكن أن تكون المرونة مصحوبة إلا بالصيانة والبنية الأساسية والابتكار”.
وإلى جانب التهديد الذي يتعرض له الماشية وحقول الحبوب، يؤثر الجفاف أيضا على أشجار الفاكهة وكروم العنب وبساتين الزيتون بما يعادل خسائر إجمالية تزيد على 2.7 مليار يورو (2.9 مليار دولار)، بحسب جمعية كولديريتي.
وفي الوقت نفسه، اشتعلت النيران في 5800 هكتار (14 ألف فدان) من الأراضي الزراعية منذ بداية يوليو/تموز بسبب حرائق الغابات التي اندلعت مع الظروف الجافة، حسبما ذكرت المجموعة.
5800 هكتار محترقة
يقف المزارع فابيو سكارانتينو أمام قطيعه من الماشية. وتتناسب جلودها ذات اللون البني الفاتح مع المناظر الطبيعية الجافة المليئة بالأتربة خلفها.
وقال سكارانتينو “إن تغير المناخ في صقلية أمر حقيقي. في الماضي تحدثنا عنه ولكن لم يكن بوسعنا أن نتخيل أبدًا أن نختبره بأنفسنا”.
وقال إنه على عكس سواحل صقلية التي تعتمد إلى حد كبير على السياحة، “ففي المناطق الداخلية الصقلية التي تعتمد على الثروة الحيوانية والزراعة، يلعب تغير المناخ دورا كبيرا”.
“الحكومة ليس لديها استراتيجية”
وانضم نواب من تحالف الخضر واليسار (AVS) إلى بونيلي خارج قصر كيجي، وحملوا لافتات كتب عليها “أزمة المناخ حقيقة دراماتيكية، والحكومة ليس لديها استراتيجية”.
وقال السياسي اليساري الإيطالي نيكولا فراتوياني: “إنها ليست مجرد مشكلة بيئية هائلة، بل إنها أيضًا مشكلة اجتماعية هائلة. إن أزمة المناخ تؤثر على التضخم، وتؤثر على القدرة الشرائية للأجور المنخفضة بالفعل للنساء الإيطاليات”.
وسلط المتحدثون الضوء على ما يرون أنه أولويات غير مناسبة للحكومة، بما في ذلك تخصيص 3 مليارات يورو من صندوق المناخ الوطني الإيطالي لخطة ماتي “المرهقة وغير الواضحة”، والتي تهدف إلى تعزيز العلاقات مع أفريقيا والتنمية فيها.
وتتمثل أهدافها الرئيسية في جعل إيطاليا مركزًا للطاقة لنقل الغاز الطبيعي من القارة إلى بقية أوروبا، والحد من الهجرة غير النظامية في هذه العملية. كما تتضمن خططًا لتعزيز كفاءة الطاقة وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة .
وأشاروا أيضًا إلى “التناقض” المتمثل في ضخ الموارد إلى جسر مضيق ميسينا ، الذي سيربط صقلية بالبر الرئيسي الإيطالي، في حين تعاني الجزيرة.
ماذا تفعل صقلية لمحاربة الجفاف؟
وبحسب المعهد الوطني للإحصاء الإيطالي، فإن صقلية لديها أحد أعلى معدلات إهدار مياه الشرب في البلاد، مع فقدان 51.6 في المائة من المياه من دوائر التوزيع في عام 2022.
وتقول وكالة الإحصاء الإيطالية إن إيطاليا تهدر 157 لترا من الماء يوميا لكل شخص، وتلقي باللوم في هذا الهدر على “الحالة المستمرة من عدم الكفاءة في العديد من شبكات التوزيع”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، حصلت صقلية على 92 مليون يورو من أصل 1.6 مليار يورو متوقعة لخطة مياه إقليمية تهدف إلى تعزيز البنية التحتية للمياه ومنع الجفاف.
وتتضمن الخطط استبدال خطوط الأنابيب المتسربة وصيانة بوابات الفيضانات في السدود المستخدمة للري.
ورغم أن النقص الشديد في الأمطار والحرارة المفرطة قد أشعلا أزمة المياه الأخيرة، فإن الأمر يزداد سوءا بسبب البنية التحتية المتداعية في الجزيرة، والتي أصبحت قديمة وغير جيدة الصيانة.
على سبيل المثال، لم يتم اختبار سلامة خزان سد ترينيتا في كاستلفترانو قط، وكان ينتظر التدخلات الهيكلية لسنوات لزيادة تدفق المياه، وقد أدى هذا إلى إطلاق إمدادات المياه الثمينة في البحر من السد عندما ترتفع المياه، وتعتمد آلاف الهكتارات من الأراضي عليه للري.
وفي الوقت نفسه، تُركت مهمة معالجة المشكلة للبلديات المحلية من خلال فرض قيود على استخدام مياه الشرب للري وحمامات السباحة، إلى جانب خفض معدلات التدفق أثناء الليل.