أخباربيئةتغير المناخ
مصادر الكربون الرئيسية على الأرض تقترب من حدودها القصوى.. أضرار بيئية لا رجعة فيها
كشفت دراسة جديدة مثيرة للقلق أن مصادر الكربون الرئيسية على الأرض تقترب من حدودها، مما يشير إلى أن العمليات الطبيعية قد تصبح قريبًا غير قادرة على تعويض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري المتزايدة.
وبحسب بحث نُشر في مجلة Ecosystem Health and Sustainability ، فإن قدرة امتصاص الكربون الأرضية في العالم انخفضت بشكل حاد، مما يشكل تحديًا كبيرًا للأساس الذي تقوم عليه استراتيجيات التخفيف من آثار المناخ الحالية.
تركز النتائج على الإنتاجية الأولية الإجمالية (GPP)، وهو مؤشر حيوي لمدى سرعة قدرة النباتات على تثبيت ثاني أكسيد الكربون (CO₂) من خلال عملية التمثيل الضوئي.
من خلال تحليل مجموعات بيانات متعددة تمتد من عام 1982 إلى عام 2016، اكتشف العلماء انخفاضًا ملحوظًا في الإنتاجية الأولية الإجمالية عبر أكثر من ثلثي سطح الأرض.
وتؤكد هذه الظاهرة مدى هشاشة الأنظمة الطبيعية التي تعتمد عليها البشرية للتعويض عن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
آلية عمل أحواض الكربون الطبيعية
تعكس الإنتاجية الأولية الإجمالية قدرة النباتات على امتصاص الكربون، مما يجعلها عنصراً أساسياً في عمل أحواض الكربون الطبيعية مثل الغابات والتربة.
وتعمل هذه الأحواض كمخازن، حيث تحتجز كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية.
ومع ذلك، إذا فقدت هذه التدابير فعاليتها، فإن مستويات الكربون في الغلاف الجوي سوف ترتفع حتماً بشكل أسرع، مما يؤدي إلى تكثيف تغير المناخ وتقليص نمو النباتات.
قام الباحثون بتقسيم تحليلاتهم إلى فترتين – 1982-1999 و2000-2016 – للتحقيق في كيفية تطور GPP بمرور الوقت.
وعلى الرغم من ملاحظة بعض الاستقرار في الإطار الزمني السابق، فقد أظهرت الفترة الأخيرة انخفاضا ملحوظا في الناتج المحلي الإجمالي.
وباستخدام تقنيات إحصائية متقدمة، بما في ذلك نهج البصمة المثلى المستخدم عادة في دراسات المناخ، تمكن الفريق من تحديد العوامل الرئيسية وراء هذه التحولات.
تباطؤ تأثير التسميد بثاني أكسيد الكربون
تسلط إحدى النتائج الرئيسية للدراسة الضوء على التأثير المتناقص لتأثير التسميد بثاني أكسيد الكربون – الظاهرة التي تحفز فيها تركيزات ثاني أكسيد الكربون الأعلى نمو النباتات.
وبعد أن كان يُنظر إليها ذات يوم على أنها موازنة محتملة للانبعاثات، يبدو هذا التأثير الآن أقل قوة.
وقال سونجهان وانج، الباحث في جامعة نانجينج الزراعية والمؤلف الرئيسي للدراسة: “يُقترح أن يكون الانخفاض في تأثير التسميد بثاني أكسيد الكربون هو المحرك الرئيسي المسؤول عن تباطؤ اتجاهات الناتج المحلي الإجمالي العالمي”.
وأضاف “ورغم أن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون لا يزال له آثار إيجابية، فإن تأثيره على الناتج المحلي الإجمالي على نطاق عالمي انخفض بنحو النصف منذ عام 2000 فصاعداً مقارنة بتأثيره في الفترة 1982-1999.”
ويشير العلماء إلى نقص العناصر الغذائية في التربة والأوراق كسبب محتمل لهذا التباطؤ، فبدون وجود العناصر الغذائية الكافية، لا تستطيع النباتات الاستفادة بشكل كامل من فائض ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
انخفاض قدرة أحواض الكربون
وتشير هذه الأبحاث إلى أن النظم البيئية الطبيعية ــ الغابات، والمراعي، والنباتات الأخرى ــ تقترب من نقطة التشبع، وبمجرد وصولها إلى هذه النقطة، لن تتمكن هذه الموائل بعد الآن من تعويض الانبعاثات الناجمة عن الأنشطة البشرية، وهو ما قد يؤدي إلى تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
كما يثير هذا مخاوف بشأن جدوى استراتيجيات المناخ الحالية.
فالعديد من المقترحات الرامية إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة عند درجتين مئويتين (وهو هدف رئيسي لاتفاق باريس) تعتمد بشكل كبير على أحواض الكربون الأرضية لموازنة مسارات الانبعاثات.
وإذا لم تعد أحواض الكربون قادرة على أداء هذا الدور بفعالية، فإن أحد الركائز الأساسية لسياسة المناخ معرض للخطر.
التداعيات على حلول المناخ المستقبلية
وتعزز نتائج الدراسة الدعوات إلى اتخاذ إجراءات سريعة وشاملة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري .
ورغم أن حماية النظم البيئية واستعادتها تظل أمراً لا غنى عنه، فإن الاعتماد على قدرة الطبيعة على تخزين الكربون وحدها قد لا يكون كافياً إذا استمرت هذه القدرة في الضعف.
ولحماية قدرة الكوكب على الصمود، يؤكد العلماء على ضرورة التحول نحو التقنيات منخفضة الكربون، واعتماد ممارسات إدارة الأراضي المستدامة، والتحقيق في طرق جديدة لالتقاط الكربون.
ويدعون أيضًا إلى إجراء دراسات طويلة الأجل أكثر قوة لتوضيح كيفية تأثير خصائص التربة المحلية، وتوافر المياه، والتنوع البيولوجي على معدلات نمو النباتات وقدرات امتصاص الكربون.
تحذير لصناع القرار
ويؤكد البحث على نقطة تحول حاسمة في مكافحة تغير المناخ، فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية الذي يتسبب بالفعل في حدوث أحداث مناخية متطرفة، وذوبان الصفائح الجليدية، وغير ذلك من التأثيرات الخطيرة، فإن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي يؤدي إلى تفاقم هذه القضايا من خلال الحد من قدرة الأنظمة الطبيعية على مواجهة الانبعاثات.
يتعين على الحكومات والصناعات والمجتمعات الآن تسريع جهودها لإزالة الكربون لتجنب حدوث اضطرابات مناخية أعمق.
هذا العمل يعني ضمناً أن الاعتماد على الغابات والتربة في العالم لامتصاص انبعاثاتنا أصبح أقل موثوقية، التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال الحد من انبعاثات الكربون أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى إذا كنا نأمل في الحفاظ على مناخ مستقر وتحقيق هدف الدرجتين المئويتين.
الضرر البيئي غير القابل للإصلاح
من خلال الكشف عن أن معظم سطح الأرض يشهد انخفاضًا في إنتاجية النبات، تواجه هذه الدراسة البشرية بحقيقة صارخة: إن دفع الأنظمة الطبيعية للأرض إلى نقاط الانهيار قد يؤدي إلى أضرار بيئية لا رجعة فيها.
تفكيك تأثير التسميد بثاني أكسيد الكربون يؤكد مدى التوازن الدقيق والحساسية التي يتمتع بها المناخ العالمي.
وفي نهاية المطاف، يتطلب حماية أحواض الكربون الأرضية استراتيجية متعددة الجوانب ــ خفض الانبعاثات، وحماية النظم البيئية من إزالة الغابات والتدهور، وتحسين فهمنا العلمي لكيفية عمل ردود الفعل المعقدة للطبيعة في عالم دافئ.
وكما يظهر هذا البحث الأحدث، فإن وقف تغير المناخ يتطلب أكثر من الاعتماد المتفائل على المساحات الخضراء على الأرض: فهو يتطلب تغييراً فورياً وتحويلياً على كل مستوى من مستويات المجتمع.